مصطلحات الخط العربي
الأربعاء 16 فبراير 2022
تنبه الخطاطون الأوائل إلى الخصائص التي يتصف بها الخط العربي وتجعله عنصراً زخرفياً مهماً في تحقيق أهدافهم الفنية، وكان أول استعماله في الزخارف بشكل لا يهتم بالمضمون المكتوب، إنّما انصب كل تركيزهم على الزخرفة الناتجة عن استخدام الخط بقواعد محددة.
وحاز الخط الكوفي على الحظ الأكبر من الاهتمام في مجال الزخرفة التزيينية لما له من قابلية وسعة في الأداء الفني، قدمته كعمل فني متكامل من حيث منهجه التعبيري والتشكيلي المترابط الأجزاء.
وتناغمت طبيعة الخط العربي مع الإبداع الفني، لما له من سلاسة ورونق جميل مكّن من اتخاذه عنصراً زخرفياً رائقاً ومدهشاً وأخاذاً، ومن المعلوم أنَّ الخطاطين المسلمين عمِدوا إلى سيقان الحروف ومداتها فزينوها بالزخارف النباتية ووصلوها ببعضها بخطوط مجدولة أو مثنية، واتجهوا أحياناً إلى استخدام أرضية من زخارف نباتية أخرى لكتابة الحروف المزخرفة.
ويُعد الخط الكوفي من الخطوط المملوءة بالعناصر التي يمكن استغلالها من الناحية الزخرفية، لذا قام الخطاطون بتطويره في سبيل الرشاقة الزخرفية، ومنذ نهاية القرن التاسع أضيفت إلى قوائمه وبعض أجزائه ذيول من الزخارف النباتية الصغيرة تتفرع وتتشابك، وسمي لذلك الكوفي المزهر أو المشجر.
وبلغ الاهتمام مداه بالخط الكوفي في القرن الحادي عشر وما بعده، ليصبح خطاً أنيقاً ولافتاً للنظر، ويُكتب في كثير من الأحيان على أرضية من الزهور والأغصان.
ثمَّ انتقلت كتابة العبارات في القرن الثاني عشر وأصبحت بالخط الذي ابتكره المسلمون وأطلقوا عليه اسم الخط الكوفي المربع أو الكوفي المتداخل، حتى يظهر على أشكال هندسية أخرى.
ونلاحظ في منتجات الفن الإسلامي نمطين من أنماط الخط: الأول الخط المنحنى الذي يدور وينحني في اتجاهات متعددة بحرية وانطلاق في حدود المساحة المخصصة للزخرفة ولا يخرج عنها، ولكنه يعطي إحساساً بالمطلق والاستمرار إلى ما لا نهاية، ويقف أحيانا وقفة قصيرة عند انتفاخه ولكن لا يلبث أن يستمر، يثب أحيانا فوق الخطوط أو يمر تحتها أو يتجاور معها، وفيه صفة السعي الدائب والانطلاق.
ونجد أنَّ هناك نمط آخر من الخطوط، وهو الخط الهندسي، الذي يقوم بتحديد مساحات تتكون منها الحشوات، التي تتجه نحو الدقة والصغر، وتحتوي هذه الحشوات على زخارف خطية لينة من النوع الأول، وفي الغالب تقوم هذه الحشوات بتشكيل أشكال نجمية، أو أشكال مضلعة ذات زوايا أو دوائر، الخ.
ومن اللافت للانتباه في الخط الهندسي أنه يُعطي إحساساً بالاستقرار والثبات، ويقوم أيضاً بسلب صفة التجسيم عن بعض الأشكال الآدمية والحيوانية أو الكتل وتحويلها إلى عنصر زخرفي بحت يتصف بالخفة والرشاقة.
ومما أثار إعجاب جميع الباحثين والدارسين للفن الإسلامي القدرة العالية للفنان المسلم على الموازنة بين الخط اللين والخط الهندسي في تآلف وتوافق عجيب، ومثار ذلك الاختلاف الواضح بين طبيعة كل نوع من هذه الخطوط عن الآخر.
وعند الحديث عن الخط المنحنى لابد أن نذكر أنّه يتميز دائماً بالرشاقة والحيوية وإضفاء مسحة جمالية خاصة على التحفة الفنية، وأما الخط الهندسي فله جمال من نوع آخر، جمال رياضي نخبوي يستشعره العقل باستمتاع فائق، وعند المزاوجة بين الأسلوبين نحصل على محصلة جمالية رائعة.
وتظهر صفة الخط بالأداء والخامة التي ينفذ عليها، فهو في أشكال المعادن يختلف عنه في أشكال الخشب، وغيره كذلك في خامات الجص أو الخزف، وهو كذلك في الزخارف النباتية غيره في الزخارف الهندسية، وكل نوع من أنواع الخطوط له صفته وشخصيته التي تساهم في إعطاء الطابع المميز للفن الإسلامي، وبهذا فإنَّ الخط يبسط سلطانه ويؤكد ذاته ويعطينا إحساس من التنوع في مظاهره الجمالية المطلقة التي لا نجدها في الفنون المختلفة.
إنَّ قدرة الخط على التكيف مع كافة الحوامل الفنية هو العامل الذي يمكن اعتباره عاملاً هاماً وحيوياً في التركيز على البنية الجمالية للخط العربي، حيث انتقلت تشكيلات الخط العربي لتشمل حيزات ومجالات أخرى غير مجال الكتابة في الكتب والمساجد، وبدا هذا النوع من تعاطي الخط مع المواد التي شكلت الحيزات والمجالات وقع إيجابي على المسيرة الجمالية للخط العربي، فصار للكلمة المدونة بعضاً من الأسس الرئيسية في تزيين المساجد وقبابها والقصور والأبواب والألبسة وأساور النساء والسيوف ودروع وخوذ المحاربين والأواني النحاسية والزجاجية، إلخ، مما جعل التشكيل الخطي متكيفاً مع كافة هذه المواد، لتتعاطى مع الحيزات التي أتاحتها بما يصلح لها من أسلوب في الأداء.
إنَّ تعدد مجالات استعمال الخط العربي الفنية منحت الخطاط الفرصة في شحذ قدرته التشكيلية والابتكارية والرفع من مستوى حساسيته الإبداعية، فتوصل بذلك إلى ضبط إيقاعات الحروف وتوازنها الأفقي والعمودي، مما يجعل الحروف تنعقد في دائرة سقفية، أو تستطيل على عمود، أو تتخذ لها شكلا خماسياً أو سداسياً أو ثمانياً.
المصدر: المصدر